البيـــــــــلســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى تربوي يعنى بالأدب عموما والأدب العربي خصوصا ،يرعى المواهب الشابّةويهتم بالجانب الإرشادي التربوي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الطوافيح والريح

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جمال الطرابلسي
Admin
جمال الطرابلسي


عدد المساهمات : 228
تاريخ التسجيل : 10/11/2010

الطوافيح والريح Empty
مُساهمةموضوع: الطوافيح والريح   الطوافيح والريح I_icon_minitimeالأربعاء أغسطس 31, 2011 1:36 pm

الطوافيح

دخل والدي البيت بابتسامة غامضة وبدون مقدمات قال:
بكرى دورنا برعي المعزي
وشرح الأمر بجملة واحدة:
تبادلنا مع بيت سلامي.
كان الشرح الذي قدّمه كافياً لتسويغ ما قام به من تبديل الأدوار، لكنني قفزت فرحاً عن الدكّة الطينية باتجاه الباب الخشبي ذي الشقوق الطولية
--(عيني ربك ... ولك عيني ربك)
ضحك أبي ضحكة خفيفة وارتسمت على وجهه علامات غريبة وكأنّه يستهجن ردة فعلي
إنّها هدية السماء للتخلص من كتابة درس( كوخ العم توم ) عشر مرات وهي فرصة لتوديع موسم الصيد فما هي إلا أيام قليلة ويهاجر فيها طائر (أبو الحناء) فلا نجد له أثرا.
خرجتُ إلى الأحراج القريبة التي يندسّ بيتنا فيها ويؤنسها بدخانه الذي لا ينقطع و رحتُ أختارُ الأعواد المناسبة (للطافوحة ) وأقطعُها بسكّين قويّة ذات مقبض خشبي خشن اشترتها أمي من بائع جوّال ,وحذّرتني مرارا من استخدامها لقطع عيدان السنديان أو قلع جذور السّلبين ،وبدأت العمل و أخذت الأعواد المناسبة ..
هذا عود يصلح (للكزاك) وهذا يصلح (للشعّيب) أمّا هذا فيناسب أن يكون سلّالة و لم يبق إلا أن أبحث عن حجارة مرققة تصلح ( طبّيقا ) للطافوحة
لم يستغرق الوقت طويلا حتى بات كلّ شيء جاهزاً...
دفنت أدواتي الحميمة وأشيائي في المزود القماشي الذي بدا لي هو الآخر ذا قيمة عظيمة ليس لأنه سيحتوي صباحا على زوادتي البسيطة وعلبة أعواد الثقاب بل لأنه سيمتلئ بغلال الصيد بل تخيلته ممتلئا فعلا بالسّمان والشحرور وأبو الحنّاء لقد وصل بي الخيال إلى حدّ الشعور بملمس ريشها الناعم على راحة يدي
وركبت الشِّعب الجبليّ النازل نحو البيت منحدراً بخفّة عجيبة ،أقفز من صخرة لصخرة أدنى وأرفّ بجناحيّ الفرحين كما يرفّ الشحرور الذي لم أوفق في اصطياده أكثر من مرة واحدة
سلخ أبي الساعة الوحيدة التي "يسمح لنا أن نسهر فيها قبل أن نندسّ ونلتحف" سلخها في الحديث عن الماعز و أنواعه وصعوبة ضبطه في بقعة محددة خلال فصل الربيع لأنها تتحوّل لمخلوقات مجنونة في قطافها للبراعم الغضة و القفز من غصن لغصن و من شجيرة لأخرى و خلال دقائق تكون قد صارت في سفح بعيد و أبعد مما نتصور  لكنّ المشكلة الأكبر حسب رأيه  هي في الماعز الولادة التي يتوجّب على أصحابها قطعها عن الرعي و تركها في حمى المنزل , ولكنّهم يصرّون على إرسالها مع الراعي المرتبك أصلا .
كان الليل طويلا وضوء السراج الخافت يرسم على السقف الخشبي الأسود ملامح قطيع الماعز تتراقص سخلاته وتقفز وربما ينطح بعضها بعضا
ولم يستطع النوم القليل نفسه أن يسرق مني متعة الفرح بالعطلة الطارئة ولا بتلك اللحظة الفريدة بلذتها حين أنبطح على الأرض وأضع خدّي على حجرة الطافوحة وأطوقها بكلتا يديّ ثم أرفعها بحذر بيدي اليسرى بينما تنقضّ اليمنى لتقبض على ذلك العصفور الذي وقع في الكمين المحكم.
لم تغادر هذه الصور ذهني إلا حين أيقظني أبي قبل شروق الشمس فتبخرت مع نهوضيَ الواثب حين رشقتُ الماء البارد على وجهي من ساقية الينبوع الرقراقة المنسابة أمام بيتنا.
كان صباحا مهيبا غريبا شديد الرياح , تصفُر فيه الأشجارُ وتنتحبُ شجرة التوت الكبيرة أمام بيتنا وتئن أغصانُها من وطأة الريح الهوجاء والتي تلتفّ لتهاجمها من كل الجهات فتكاد تقتلعها من الجذور

ثمّ طمأنت نفسي: ستخفّ شدة الهواء بعد قليل و في جوبة الصوان لن يكون الهواء قويا .
تجمّع الماعز تحت بيتنا في ساحة معلّقة على كتف جرف صغير .
وكلما وصل واحد من الجيران يدفع أمامه بعض الماعز يبدأ بمحاضرة لا تنتهي وتوصيات غريبة عجيبة فهذا يحذرني من الجقل وذاك يقول: معزاته تحتاج لرعاية خاصة لأنها مخاتلة...
وثالث يقترح عليّ مواقعَ للرعي تكثر فيها البراعم الغضة  ورابع يقول : خذ الماعز إلى السهل فاليوم صعب عليك أن ترعى في الجبل .
ما أعطيتُ بالاً لأحد منهم حتّى لا أعكّر أحلام الصيد فتطيرَ العصافير من رأسي .
ولا لجارتنا الثقيلة أم حكيمة التي بادرتني:
--شوف بدك تدير بالك ع عنزتي هي عنزة شامية أصلية متل الغزالي عيّن عيّن كزّومها متل قوس الربابة ودرّتها، صلي على النبي صلي والله بتولّد تلاته، هلق إذا ولدت معك لا تقل لي جابت بس تنين أو واحد لا سمح الله أنا ماني متهمك بس بيكون الجقل أخدهن
وبكون الحق عليك  وبدي أشتكي للمخفر.
كان أبي يسمع الكلام ولا يأبه له ، فداخلني شكّ غريب من صمته ومن ثياب العمل التي يرتديها و الجزمة الطويلة التي تغمر سرواله الأسود لما فوق الرّكبة وكنت أتوقعه أن يدعو أبا إبراهيم ليتذوّق (دخّاناته)في البيت مع كأس شاي بالعطرية ويتركني وشأني .  
لكنّه صفعني بأمر لم يخطر لي على بال:
حنظلة حنظلة  هات المزود ويالله عالبيت جهّز حالك للمدرسة .
ولم يمهلني لأجادل أو أراوغ مدّ يده وانتزع المزود بلطف حازم جاء الكلام جادّا قاصما لا مجال لمراجعته
قلتُ بصوت متهدّج وأكاد أفغر بالبكاء:
بيي ليش مين بدو يرعى المعزي؟؟
فقطع ضحكة هزيلة: أنت عقلك بالعصافير وهاد رزق الضيعة أمانة برقبتي يا لله لا تتأخر ع المدرسة .
قال كلمته الأخيرة ثم لفح بطرف شملته على فمه وغطّى أنفه وتحرك بقوة يهشّ على الماعز بعصاة طويلة.
شعرت لوهلة أن الهواء الشديد أمال السفح فسقط على رأسي, غامت عيناي وبدا قطيع الماعز خلف غباش زجاجي هلامي أشبه بالشياطين التي قرأتها في سيرة سيف بن ذي يزن.
أمّا أبو الحنّ المكسور الجناح تحت طافوحتي فقد قفز إلى شجرة الخرنوب وزرق فوق جبيني البارد المتغضّن.
وهند المشاغبة اللئيمة التي تجلس على المقعد الأول والتي أكرهها أكثر من العم توم وكوخه وأكثر من أستاذ العربي وأم حكيمة ومعزاتها
فمذ وقفتُ على ساق واحدة ويداي مرفوعتان لم تتوقف عن الهمس والسخرية من رقعتين على مؤخرتي تهمس بصوتها الذكوري المبحوح الذي يطفح باللؤم:
نزلها لمكسورتك حاج تصورني بصباطك المقفوع
بتستاهل يا أسود الجلد يا بو ضوّايات .




الطافوحة : وسيلة بدائية لصيد الطيور تعتمد
على حجر على شكل بلاطة ومجموعة من العيدان لها أسماء ووظائف وحفرة صغيرة و بعض
ديدان الأرض التي تثبت بطريقة خادعة تحت الحجر الذي يطبق عل الطير فور محاولته
أكلها



الكزاك والشعّيب والسلّالة : عيدان
لها أشكال مناسبة  ترفع بها حجر الطافوحة



الكزّوم :هو وجه المعزاة حين يكون
محدبا وبقدر ما يكون كذلك تكون مرغوبة أكثر



المزودة: حقيبة بسيطة من
القماش  يحملها عادة من يتسلق لقطف التين
وأيضا يحملها الراعي فيضع فيها طعامه وأشياءه
سنّد المعزي : أي احرسها وامنعها من الانتشار
البريم : هو العقال يضعه الرجال على رؤوسهم ولهم به استخداما أخرى وخاصة معاقبة أولادهم وضربهم به
[/center]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://albaylasan.yoo7.com
 
الطوافيح والريح
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
البيـــــــــلســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان :: الفئة الأولى :: القصص و الروايات-
انتقل الى: