قصائد مختارة من
كتاب
محمد الماغوط
الجديد
البدوي الأحمر
طريق الحرير
كل يوم أكتشف في وطني مجداً جديداً
وعاراً جديداً
أخباراً ترفع الرأس
وأخرى ترفع الضغط
* * *
مللت اللجوء الى التبغ
والخمر
والمهدئات
وأبراج الحظ
إن سعة الخيال تمزق أعصابي
ولم تعد عندي حدود واضحة أو آمنة بين المجد والعار
والأمل واليأس
والفرح والحزن
والربيع والخريف
والصيف والشتاء
والمذكر والمؤنث
والمرفوع والمنصوب
وها أنا أضع أجمل وآخر قصائدي في أذني
وإصبعي على الزناد
وأنا واثق بأن حلقات من الدخان ستتصاعد كأنها رصاصة حقيقية.
مقدمة ابن خلدون
بشراسة ونهم الفهد الجائع
أضع راحتي حول فمي وأصرخ:
يا إلهي.
أنقذني من هذه الصحراء
إنها تفقدني عقلي وصوابي وتوازني
وأنقضّ على كل ما فيها من شعر ونثر
ومسرح وغناء وعواء
وسجع وتجويد وتفخيم وإطناب وهذيان
بوح، عناق، دموع، تأوهات، انتحارات
نهب، قصور، متاحف، مقابر، مستشفيات
بحر، صحراء، نسور، ضفادع، ديناصورات
قطط، فئران، جمال، سفن، قطعان
كرّ وفرّ وسبي نساء وغلمان وطيور وفراشات
انفتاح، تهافت، إطلاق
قانا، شاتيلا، تل الزعتر، كازينو لبنان
جوائز، إهانات، ابن النفيس، ابن خلدون، ابن رشد، ابن سينا، بن لادن
أبو فداء، أبو شيماء، أبو تيماء، أبو رياح، أبو صياح
عنتر، عبلة، عبدو موسى، ملحم بركات
حقد، كراهية، أنياب، صرير أبواب، مخيمات
فجر، نجوم، ظلام
وكل كلمة كأس ولفافة
ارتجال وطن
حلمي القديم:
وطن محتل أحرره
أو ضائع أعثر عليه
حدوده تقصر وتطول حسب مساحته وعدد سكانه وأنهاره ونشاط عصافيره
والمغتربين من أبنائه
والعابرين في طرقاته
والمزوّدين بالوقود في أجوائه
وطني حيث يشرب المارة
ويشفى المرضى
وتزهر الأشجار العارية
حتى قبل وصول الربيع إليها
* * *
يا أمهات الكتب
أخبروني:
ماذا حلّ بمؤلفاتي المتواضعة؟
لقد عانيت طويلاً في كتابتها
وأريد أن أعرف ما آلت إليه
على أي رفّ ترقد؟
الربيع
كلما كتبت كلمة جديدة...
تنفتح أمامي نافذة جديدة
حتى أنتهي في العراء
والمشكلة أن يدي دائماً على قلبي
متى توقفت ماتت
ومات كل شيء
ولذلك قبل أن أشرب أكتب
وقبل أن آكل أكتب
وقبل أن أسافر أكتب
وقبل أن أصل أكتب
وقبل أن أبكي أكتب
وقبل أن أصلّي أكتب
وليس عندي كلمة غير صالحة للاستعمال
الكل مطلوب الى الخدمة
كما في حالات النفير العام
فأنا مهدد دائماً
بانتمائي وعروبتي وطفولتي وشبابي
وقلمي ولساني ولغتي
ودائماً عندي كلمات جديدة
في الحب والوطن والحرية وكل شيء
ولكنني لا أستطيع استعمالها
لأن شبح بلادي الصحراوي
لا يسمح لي بكتابة أي شيء
سوى الرقى والتعاويذ والتمائم
على بيضة مسلوقة
لعلاج نكاف الأطفال أو سعالهم
مثل أي شيخ أميّ في أقاصي الريف البعيد.
الخلف والسلف
ترك لنا أجدادنا:
الوردة البيضاء
يا وردة الحب الصافي
يا زهرة في خيالي
أدي الربيع
شباك حبيبي يا خشب الورد
بو فارس عندو جنينة
دخلت مرة الجنينة
يا حلاوة الورد
يا عاشقين الورد
يا ورد مين يشتريك
قتل الورد نفسه حسداً منك
يا فل يا فل
ونحن نترك لأحفادنا
الوحل...
في كل شيء
وعلى كل شيء.
كهولة مستنقع
الحكام: طغاة، قساة، بغاة، جهلة، انتهازيون، منافقون وقلوبهم حجر جلمود وصخور الصوان.
والشعوب: لمامة، قمامة، صراصير، حشرات، إمعات، مذلون، مهانون، مكرمون.
والأوطان: حبيبة، مفداة، مبتغاة، أبية، موفورة الكرامة، عزيزة الجانب دونها حبل الوريد وحبل الغسيل.
وفي الغزل:
شعرك: أسود كالليل، كالفحم أو أشقر كالسنابل أو أحمر كشقائق النعمان.
والفم: شهي كالتين، كالعنب أو كالتوت الشامي، كفلقة الرمان، كالخردل، كالسموءل.
والخد: ناعم كالتفاح، كالعنب، كالحرير، كالطيلسان.
والعطر: فواح كالفل والزعتر والمسك والعنبر والورد والياسمين والريحان.
والصوت:
حنون كالناي، كالقصب البري، كأجراس الفصح والميلاد ورام الله وغزة وأريحا
وبيت لحم والضفة الغربية والشرقية والمقاومة وفلسطين وعاصمتها القدس
الشريف.
وأنت بمجملك: حمامة، عمامة، غمامة، أوعلامة على مفرق بيتها أو بيته بأربعة أشبار أو خمسة أمتار.
كلمات.. كلمات..
أكل الدهر عليها وشرب وبال وتغوط
أريد فكرة مسرحية
مقالة
قصة
حواراً
مقابلة لم تطرق بعد
أريد صورة شعرية جديدة
ولو محجبة على طريقة طالبان.
سنونو الضجر
صدئت أخطائي
ولم أكفر عنها بحرف أو حركة
كل شيء عندي قديم ومستهلك
البيت
الجدران
الستائر
الثياب
القبعات
الخمر
ما عدا: الدموع
وارتباك الزهور عندما يداهمها الخريف
وحرج الأقوال عندما تدعمها الأفعال
وعندما واتتني المنية في أحد الأحلام
أوصيت بوطني لأول قاطع طريق.
* * *
أما أفعالي الملونة:
فقد أوصيت بالصفراء للخريف
والخضراء للربيع
والزرقاء للبحر
والرمادية للغيوم
والسوداء لأغاني الهجر والفراق
* * *
الهندي الأحمر
كان المطر الغزير يغسل نظارتي
والأغصان المزهرة تلامس رأسي
والثمار الناضجة تلامس فمي
ثم مياه جارية
ينابيع متدفقة
ومياه طبيعية ومعدنية
وأجراس قطعان وكنائس توحد الخالق
* * *
طائرة تقلع، فتحط اثنتان
ورديات عمل تتبادل المواقع والمهام على مدار الساعة
وفنادق
ومسارح ومعارض ومقاه وحانات وسيارات ودراجات وجسور محلقات وهواتف ثابتة
ونقالة تغطي الأرض وهوائيات وصحون لاقطة تغطي السطوح والشرفات
* * *
أما ما يلقى في حاويات الفنادق والسفارات من فضلات فيكفي لخمسة جيوش تحارب على عدة جبهات
وقد انجذبت الى إحداها انجذاباً قومياً بل شوفينياً
منذ أول لقمة، والتصقت بإحداها التصاق الخروف الرضيع بأمه النعجة
* * *
ومع ذلك أعيش تحت خط الفقر بأمتار..
إنهم يسرقون بلادي!!.
سلم الحريق
بعد كل هذه الشهرة وسعة الانتشار
والذهاب والإياب الى أقاصي الدنيا
والندوات والمقابلات وتوقيع الأوتوغرافات
والصعود والهبوط على المنابر والتصفيق المتواصل
والجوائز والميداليات الأدبية والمسرحية الصحافية
أنتهي وجهاً لوجه
أمام سيف بن لادن
وقنبلة أبو سياف
وساطور رابح بيطاط
وبلطة أبو قتابة
وخنجر أبي بكر باعشير
ومشانق الأنظمة..
واختر بعد ذلك الميتة التي تريد
إذا كنت بعيد النظر... والوطن..
وعند الغروب!!
عيد الشكر
لن أحلق بوطني على علو مرتفع
حتى لا يصيبه الدوار
ولا على علو منخفض
حتى لا نصطدم بإحدى الأغاني الهابطة فتهبط معها الى الدرك الأسفل.
***
وأنا أكتب...
لا أترك فراغاً.. أي فراغ على الهامش
أو بين السطور
أو في الزوايا
لأن أكثر من احتلال سيشاركني هذه الصفحة
الإعلام
التموين
الدفاع
الأمن
الداخلية
الخارجية
الري
القضاء
وعلي أن أستعد للمواجهة.
الموشور الفلسطيني
السيوف في دمشق..
والأعناق في لبنان
الهزيمة في فلسطين..
والمناحة في إيران
المجاعة في السودان..
والمساعدات للسعودية
الكحل في اليمن..
والعيون في الأردن
الربيع في الغوطة..
والخريف في قاسيون
الطبل في حرستا..
والعرس في دوما
لقد انتهى زمن البطولات والشعارات..
وجاء زمن البطولات والشعارات..
وجاء زمن الخيانات والتبريرات.
ومع ذلك فان ضحكات الاطفال وتغريد الطيور
تنقل بالصناديق على الاكتاف من مكان إلى مكان
كما تنقل أدوات الصيد والزينة
لمضارب الملوك والأمراء!
آخر شبح لسنية
منذ عصر البخار
أحلاف ومناورات وطائرات
تغطي العالم والمنطقة
أحلاف عسكرية
ثقافية
اقتصادية
لعبة الأمم
صراع على النفط
صراع على المنطقة
يعني الصراع على سورية
وسورية حبيبتي
وحبيبتي تحت الأرض
تمد راحتها نصف المضمومة خارج القبر
لتشرب منها الطيور الغريبة عن أرضها وسمائها.
ستالين
أريد الربيع والخريف وخطوط العرض والطول وكل الفصول على مكتبي فوراً
والبحر والصحراء،
والأفق والطائر
الفحم والذهب
العبد والأمير
البابا ولينين
يهوذا والمسيح
نفقات الصرف الصحي والعمل الفدائي
صراخ المجاعات وعروض الأزياء
دموع الزا ورقصة السيوف
مؤلفات ماركس وانجلز فن الطبخ
قبعة غيفارا وسيجار كاسترو وسل شوبان
الترياق والسم الزعاف
لأرسم ابتسامة الرعب الخالدة
على شفتي ستالين
وهو يلوح بقبضته في اعياد الثورة والاول من أيار
وضحاياه وخصومه شاخصين في كل أرجاء المعمورة!
إعدام قصيدة
هذه الرعود والأمواج الهادرة
والافاق المظلمة
والرمال السافية
والطيور المولولة
والجماجم الطافية
والمشانق العالية
والوحل القادم من كل مكان
ليس انقلابا في حالة الطقس!
انه مجرد وجهة نظر!1
الشعب في الشارع
دائماً أتواجد حيث لا يتوقع وجودي احد، وأقول ما لا ينتظره أحد
وها أنا أطل من شرفتي الخاصة على أخطائي المسرحية والصحفية والتاريخية والجغرافية واللغوية
وبيدي قصيدة طويلة كعواء ذئب فيه من اليأس أكثر مما فيه من أمل بسد الرمق
مع فوضى عارمة من صمت المتاحف وجنون الاسعار
والتوقيت الصيفي والشتوي
وفيلم السهرة
ومسرحية الاسبوع
مع دورة رمضان وشعبان والدورة الأولمبية
وتطهير السلك الدبلوماسي
مدافئ عصرية
تدفئة مركزية
أرق الغنائم والكماليات
وسواس التنزيلات
إعلانات مبوبة
مقاعد مريحة
ستائر بمنتهى الجودة
فنون تشكيلية، تعبيرية، انطباعية
ترميم صالات العرض
وفضول الأطفال
خرف المسنين
بريق الأوسمة
سياط الجلادين
اغلال المعتقلين
صبر المقامرين
عذاب الضمير
خدع سينمائية
مؤثرات صوتية وبصرية
فانتازيا تاريخية
نكهات مختلفة مع غولف، بريدج، بلياردو
غسالات، جلايات، أفران غاز
حفلات ديسكو
سجاد فارسي، صيني، الماني يدوي وآلي
وأحلام الثوار في كل مكان..
والمارة لا يقولون شيئاً ولا يبالون.