أحبكِ .. أحبكِ .. و البقية تأتي
حديثك سجادة فارسيهْ ..
و عيناكِ عصفورتان دمشقيتان ..
تطيرانِ بين الجدار وبين الجدارْ ..
و قلبي يسافرُ مثل الحمامة فوقَ مياه يديكِ ،
و يأخذ قيلولة تحت ظل السوارْ ..
و إني أحبكِ ..
لكن أخاف التورط فيكِ ،
أخافُ التوحد فيكِ ،
أخافُ التقمص فيكِ ،
فقد علمتني التجارب أن أتجنب عشق النساء ،
و موجَ البحارْ ..
أنا لا أناقش حبكِ .. فهو نهاري
و لستُ أناقشُ شمسَ النهارْ
أنا لا أناقش حبكِ ..
فهو يقرر في أي يوم سيأتي . و في أي يوم سيذهبُ وهو يحددُ وقتَ الحوار ، وشكلَ الحوارْ ..
* * *
دعيني أصب لك الشاي ،
أنتِ خرافية الحسن هذا الصباحَ ،
و صوتكِ نقشٌ جميلٌ على ثوب مراكشيهْ
و عقدكِ يلعبُ كالطفل تحت المرايا ..
و يرتشفُ الماء من شفة المزهريهْ
دعيني أصب لكِ الشاي ، هل قلتُ إني أحبكِ ؟
هل قلتُ إني سعيدٌ لأنك جئتِ ..
و أن حضوركِ يُسعدُ مثلَ حضور القصيدهْ
و مثل حضور المراكب ، والذكريات البعيدهْ ..
* * *
دعيني أترجم بعض آلام المقاعد و هي ترحب فيكِ ..
دعيني ، أعبرُ عما يدور ببال الفناجين
و هي تفكر في شفتيكِ ..
و بال الملاعق ، و السُكريهْ ..
دعيني أضيفكِ حرفاً جديداً ..
على أحرف الأبجديهْ ..
دعيني أناقضُ نفسي قليلاً
و أجمعُ في الحب بين الحضارة و البربريهْ ..
* * *
أأعجبك الشايُ ؟
هل ترغبينَ ببعض الحليبِ ؟
و هل تكتفين كما آنتِ دوماً - بقطعة سُكرْ ؟
و أما أنا فأفضل وجهكِ من غير سُكرْ ..
أكرر للمرة الألفِ أني أحبكِ ..
كيف تريديني أن أفسرَ ما لا يُفسرْ ؟
و كيف تريدينني أن أقيسَ مساحة حزني ؟
و حزني كالطفل .. يزدادُ في كل يوم جمالاً و يكبرْ ..
دعيني أقولُ بكل اللغات التي تعرفينَ ولا تعرفينَ ..
أحبك أنتِ ..
دعيني أفتشُ عن مفرداتٍ ..
تكون بحجم حنيني إليكِ ..
و عن كلماتٍ .. تغطي مساحة نهديكِ ..
بالماء ، و العشب ، والياسمينْ
دعيني أفكرُ عنكِ ..
و أشتاقُ عنكِ ..
و أبكي ، وأضحكُ عنكِ ..
و ألغي المسافة بين الخيال وبين اليقينْ ..
* * *
دعيني أنادي عليكِ ، بكل حروف النداءِ ..
لعلي إذا ما تغنيت باسمكِ ، من شفتي تولدينْ
دعيني أؤسس دولة عشق ..
تكونين أنتِ المليكة فيها ..
و أصبحُ فيها أنا أعظم العاشقينْ ..
دعيني أقودُ انقلاباً ..
يوطدُ سلطة عينيكِ بين الشعوبِ
دعيني .. أغيِّرُ بالحب وجهَ الحضارةِ ..
أنتِ الحضارةُ .. أنتِ التراث الذي يتشكل في باطن الأرض
منذ ألوفِ السنينْ ..
* * *
أحبكِ ..
كيفَ ترديني أن أبرهن أن حضوركِ في الكون
مثل حضور المياهِ
و مثل حضور الشجرْ
و أنكِ زهرة دوار الشمس ..
و بستان نخل ..
و أغنية أبحرت من وترْ ..
دعيني أقولك بالصمتِ ..
حين تضيقُ العبارةُ عما أعاني ..
و حين يصيرُ الكلامُ مؤامرة أتورط فيها .
و تغدو القصيدة آنية من حجرْ ..
* * *
دعيني ..
أقولكِ ما بين نفسي و بيني ..
و ما بين أهداب عيني ، و عيني ..
دعيني ..
أقولكِ بالرمز ، إن كنتِ لا تثقينَ بضوء القمرْ ..
دعيني أقولك بالبرق
أو برذاذ المطرْ ..
دعيني أقدمُ للبحر عنوانَ عينيكِ ..
إن تقبلي دعوتي للسفرْ ..
لماذا أحبكِ ؟
إنَّ السفينة في البحر ، لا تتذكرُ كيف أحاط بها الماءُ ..
لا تتذكرْ كيف اعتراها الدوارْ ..
لماذا أحبكِ ؟
إن الرصاصة في اللحم لا تتساءلُ من أينَ جاءتْ ..
و ليست تُقدمُ أيَّ اعتذارْ ..
لماذا أحبكِ .. لا تسأليني ..
فليسَ لديَّ الخيارُ .. وليس لديكِ الخيارْ ..
الشاعر الكبير الأستاذ : نزار قباني